اليقظة ليست بالضرورة نهضة

3601
النهضة

النهضة تاريخياً مفهوم غربي قام على ركائز ثلاث.. أولها: تغير في البنية الاجتماعية وظهور للطبقة الوسطى، وثانيها: إصلاح ديني ميَّز ما للملك وما لله، وثالثها: تطور مادي في البناء والتشكيل والرسم وظهور للمدن.

هذه الترويكا الثلاثية أحدثت نوعاً من النهضة في الغرب. تغيراً في البنية وتغيراً في التفكير، تبعه تغير في الأنماط السلوكية.
نلاحظ هنا أن مفهوم النهضة لا علاقة له بالماضي، النهضة بمعناها نهوض عن الماضي وليست تجلياً له أو لإعادته، بمعنى أن مفهوم النهضة ليست له جذور تاريخية عربية، النهضة أساساً مفهوم يرتبط باللحظة إذ هو ليس مفهوماً يحيل إلى الماضي بأي شكل من الأشكال.

ثمة مفاهيم أخرى تحمل إعادة الماضي على انه نهضة بينما هو في الحقيقة إحياء للماضي، ولكن المفهوم الحقيقي والواضح لاعلاقة له بالماضي، بل إنه قطع مع الماضي بكل أشكاله ماعدا الاستفادة والتراكم والاعتبار، يظهر من تعاملنا كمجتمعات مع ما أحدثته الثورات العربية من تغير وإزالة لرؤوس الاستبداد والطغيان أن الذهنية العربية لاتزال عاجزة عن إدراك مفهوم النهضة الحقيقي كفعل مستقبلي لا يأخذ من الماضي إلا ذكراه وتجربته ولكن لا يستورده ولا يستورد شخصياته أو يحاول استنساخها، لذلك كان تعاملنا أو تعامل أصحاب اليقظة بالماضي وبرامجهم تعاملاً شمولياً مع الأحداث، واستبدال نموذج ساقط بنموذج جاهز ومكتمل، ولم يعيروا التغيرات التي جرت على مفهوم السلطة ذاته وعلى كثير من المفاهيم السياسية الأخرى أي اهتمام، فالسلطة لم تعد الملك أو الرئيس فقط ليكفي إزالته لتستوي الأمور، والحزب لم يعد الحزب ذلك الحزب ذو العقيدة السياسية الجامدة والمجتمع لم يعد مجتمع الإعلام الرسمي كذلك.

كل هذه الأمور تغيرت وأصبحت السلطة مجزأة ومقسمة داخل آليات المجتمع جميعها، والأحزاب لم تعد تحمل أيديولوجيا فقط، وإنما مصالح، والمجتمعات لم تعد موجهة وإنما تقود التوجيه.

كل هذه الأمور لا يمكن التعامل معها بمفهوم «اليقظة» على أنه «نهضة» ولكي تتحول اليقظة إلى نهضة لابد هنا من القطع مع الماضي كروشتة إعادة وعلاج لمشاكل اليوم، الاسم التاريخي للحزب ليس مشكلة المهم أنه يعيش الحاضر ويتبنى آلياته وفكراً تقدمياً للنهوض إذا لم تتحول اليقظة إلى نهضة فإنها قد ترتد إلى ذاتها وتصبح عقيدة صلبة كأيديولوجيات العنصرية والعرقية وغيرهما، بينما الأديان أساساً لم تكن عقائد صلبة ولكن فهم البعض لها حولها إلى ذلك.

اليقظة أساساً وعي بماض تام يتحول إلى نهضة عندما يكون نسقاً مفتوحاً للتأويل وليس دليلاً نصياً أو زياً يُلبس من جديد.
لذلك مفهوم النهضة ليس مكتملاً أو لا يكتمل أنه حالة من الصيرورة والنسق المفتوح، تعاملت مكونات المجتمع العربي وأحزابه التقليدية مع أحداث ما بعد ثورات الربيع على أنها نهضة وقفزت إلى الواجهة أحزاب أو تيارات اليقظة التي تحمل الحلم ؛ حلم إعادة الماضي على الرغم من أن شباب الثورات كانوا يتطلعون إلى النهضة.

اليقظة في مجتمعاتنا الحالية تشبه المعارض الذي يجيد المعارضة لكنه لا يستطيع الحكم. الاستبداد الطويل والفهم المتكلس للتاريخ وللدين منع تحول اليقظة إلى نهضة؛ أود الإشارة هنا إلى أن الإسلام ليس عقيدة صلبة لأنه رسالة عالمية للإنسانية جمعاء، ولكن فهمه سياسيا بمنظور السلطة أو سعيا لها قد يجعله يحتمل التفريط للوصول إلى السلطة ومن ثم الإفراط بعد توصله واستيلائه عليها. التجربة السياسية في عالمنا العربي تنبيء بذلك. أود الإشارة أخيراً أن بداية النهضة كصيرورة قد بدأت مع الثورات العربية وستستمر حتى تصل إلى وتتخلص من انتهازية اليقظة إلى أفق النهضة بمعنى أن يتحول كليهما إلى سياق داخل المجتمع وليس أيديولوجيا كما هو الحال الآن.